غزة. “حماس”، الحائرة بين حلمين

تمكنت حركة “حماس” من عبور أربعة عقود تقريبا دون أن تشهد انقسامات في صفوفها. لكن تدمير غزة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والخسائر الكبيرة التي تكبدتها، أعاد خلط الأوراق، سواء بين التيارين الدعوي والعسكري، أو بين التيار المتواجد في غزة وقيادات الخارج.

The image shows a person sitting in front of a television that displays a news broadcast. On the screen, several individuals are seen at a podium giving a press conference or statement, likely related to a political or social topic. The person is focused on the TV, and there is a decorative piece or artwork visible in the background, along with a plant near the television. The ambiance suggests a domestic setting where news is being followed closely.
طهران 31 يوليو/تموز 2024. رجل يشاهد الأخبار على شاشة التلفزيون بعد مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزله في العاصمة الإيرانية.
FATEMEH BAHRAMI/ANADOLU/ Anadolu via AFP

تتزاحم الأحداث في الساحة الفلسطينية على نحو يجعل مقاربة أي حدث عملية صعبة، ولا سيما أن المفاجآت تربك أي قراءة مستقبلية. هكذا تفكر أيضاً “حماس” التي تجد نفسها اليوم حائرة بين حلمين: حلم عودة “الإخوان المسلمون” والمشروع التركي في المنطقة من بوابة سوريا العريضة، أو الاستمرار مع مشروع “محور المقاومة” الذي عادت إليه بصعوبة، وهو إن سقط، فلن يبقى للحركة قدرة على مواصلة الكفاح المسلح بسهولة... إن لم تكن تفكر في ترك هذا الخيار.

هذا التفكير تقف أمامه عوائق كثيرة ليس أقلها تجربة “فتح” التي ما إن تركت سلاحها، حتى صارت في أضعف حالاتها، بل تحوّلت السلطة التي شكلتها إلى “وكيل أمني” لإسرائيل والولايات المتحدة، واليوم إلى وكيل عسكري مباشر، كما يحدث في العملية المزدوجة/المشتركة ضد “كتائب المقاومة” شمالي الضفة المحتلة، المستمرة منذ الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2024.

ثمة عائق آخر، وهو “تيار السنوار” في “حماس”، الذي يتركز ثقله في قطاع غزة، لكن المنظّرين له والمؤيدين من داخل الحركة موجودون في مفاصل كثيرة تحكم العمل في الداخل والخارج وكذلك السجون، في حين أن حضورهم أقل تأثيراً في الضفة المحتلة حيث يميل الحمساويون أكثر إلى أفكار خالد مشعل وتياره.

علم موقع “أوريان 21” من مصادر في الحركة تقيم في غزة أن قائد “حماس” في غزة، رئيس مكتبها السياسي الأخير، يحيى السنوار، كان قد عمل في السنوات الثلاث الأخيرة قبل عملية “7 أكتوبر” على إخراج عدد كبير من كوادر القطاع إلى الخارج لكسر احتكار الوجوه القديمة مفاصل العمل. هؤلاء لا يزالون إلى اليوم يمثلون كتلة موازية تمنع ميل “حماس” إلى الذهاب مع ما تريده المنظومة العربية، ويمكن القول إن على رأس هذه الكتلة القيادي خليل الحية الذي كان لافتاً تعريفه في بيان الحركة الأخير بأنه “قائد حماس في غزة”، بعدما كان قائماً بالأعمال ونائباً لقائد غزة. لكنهم أيضاً موجودون في العمق: الأمن والمعلوماتية والمال.

كيف نفهم “حماس”؟

من يريد فهم “حماس” جيداً يجب أن يخرج من السردية التقليدية: تيار قطر وتركيا، وتيار إيران وحزب الله. فالمشهد الداخلي أكثر تعقيداً من ذلك، وقد زاد “7 أكتوبر” والحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة التعقيد أكثر، في حين أن هناك تأثيرات لعوامل أخرى مهمة في اتخاذ القرار والتغير الكبير في الحركة بعد 2017.

من هذه العوامل، وتكاد تكون أهمها، الصراع بين التيار الدعوي في “حماس”، الذي يوصف أنصاره الآن داخل الحركة بأنهم “البراغماتيون”، وبين التيار العسكري أو ما بات يسميه أصحابه خلال السنوات الأخيرة “التيار الجذري”، علماً أن وجوه الدعوة القدامى نافسوا يحيى السنوار بشراسة في انتخابات 2021 الداخلية، ولم يفز عليهم إلا بصعوبة كبيرة وبعد إعادة الجولة الثانية مرات عدة.

يميل “الدعويون” إلى العمل المؤسساتي ويقتدون بنموذج جماعة “الإخوان”، الذي يركز على تعليم الدّين في المجتمع والتربية الإسلامية. أما التيار العسكري، فيمكن وصفه بأنه النسخة الفلسطينية المحدثة من “الإخوان” المتأثرة بأدبيات اليسار الفلسطيني وصولاً إلى “محور المقاومة”، ويرى أصحابه أن فلسطين وتحريرها قضية مركزية، علماً أن هذا الصراع شبيه بالجدل الذي كان قائماً مع مؤسس “الجهاد الإسلامي في فلسطين”، فتحي الشقاقي، مطلع ومنتصف الثمانينيات.

اللافت في ذلك الصراع أنه انتهى بدفع “حماس” إلى اعتماد الكفاح المسلح عام 1987 كخيار أساسي خوفاً من منافسة تيار شبيه مثل “الجهاد الإسلامي” لها في الساحة الإسلامية، لتكون آخر فصيل فلسطيني يحمل السلاح في وجه إسرائيل لكنها تحولت خلال أقل من ربع قرن إلى أقوى تنظيم يجابه إسرائيل، بل استطاعت تنفيذ عملية غير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أو حتى العربي-الإسرائيلي.

في النهاية، حسم العسكر الكفّة وكانت النتيجة: “7 أكتوبر” بما حملت من إيجابيات وسلبيات. لكن الدمار الذي لحق بغزة، والخسائر الفادحة حتى ببنية “حماس” ومناصريها، أعادت النقاش حول كل شيء، وأعطت مبررات للتيار الدعوي للمطالبة بإعادة قراءة تجربة الحركة وخلق مسارات نجاة في المستقبل القريب، رغم أن أفكار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لا تعطي مجالاً لهذا التيار من أجل المناورة.

على سبيل الطرافة، مع أنها أقرب إلى الحقيقة، يقول بعض كوادر “حماس” في نقاشات داخلية إن مشعل ومعه موسى أبو مرزوق وعزت الرشق، لو قرروا أن يحجوا إلى البيت الأبيض في واشنطن ويطوفوا حوله سبعمئة مرة، فلا يمكن أن تقبلهم واشنطن بعد اليوم أو تجد لهم مكاناً في الحلول السياسية، ولا سيما بعدما صارت الحركة موصومة بـ“الداعشية” و“النازية”.

إعادة القرار إلى الغزيّين

لكن الصراع بين هذين التيارين، ولكل منهما حلفاء وأصدقاء وأصحاب مصالح في المنطقة، ليس هو المحدد الوحيد لفهم “حماس”، إنما ثمة قضية أخرى لا تقل أهمية هي الأصل والمنشأ. ففي الوعي الجمعي الفلسطيني تبقى قضية المناطقية محدداً أساسياً في قرارات كثيرة في الحياة، تبدأ من الزواج والأعمال ولا تنتهي بالقيادة السياسية، وهذه الحالة ليست مختصة بـ“حماس” بل في مجمل الفصائل الفلسطينية.

هنا تظهر القطبة المخفية، ألا وهي قضية الضفة وغزة والخارج، وتتبعها قيادة السجون. إذ إن الصراع في السنوات الأخيرة كان أقرب إلى نزع القرار من يد القيادات ممن أصولهم تعود إلى الضفة أو من مهجّري الشتات وإعادته إلى الغزيين. وقد بدأ هذا المسار منذ صار إسماعيل هنية رئيساً للمكتب السياسي، والسنوار قائداً للحركة في غزة، أي منذ 2017.

لا تجد أحداً في “حماس” يقرّ لمن هو خارج الحركة بهذا الواقع، وفي حال أحسن الأحوال يحاولون تلطيفه، مع أنه حاسم جداً في فهم الحركة أولاً، وفي تفسير قرار “7 أكتوبر” ثانياً. إذ ساد في القطاع وتحديداً في الدائرة المحيطة بالسنوار في السنوات الأخيرة حديث كثير عن أحقية عودة القرار الحركيّ إلى غزة بوصفها الكتلة الكبرى عددياً، وأكثر من يدفع ضريبة عبر القتال والحصار. قد يحاجج بعضهم بالقول إن أبو مرزوق، المحسوب على مشعل، أصله من غزة لكنه ليس مع تيار السنوار، مع فارق أن أبو مرزوق ترك غزة منذ عقود. لكن بالتدقيق أكثر يظهر الأصل المناطقي بوضوح، فمن يراقب التعيينات بعد 2017 وتغيير المتحدثين باسم الحركة وممثليها في الخارج يكتشف ببساطة كم أُدخل من قادة غزة إلى مفاصل العمل الخارجية التي كانت بيد الضفة والشتات.

يُذكر أنه بعدما اغتالت إسرائيل الشيخ أحمد ياسين ومن بعده عبد العزيز الرنتيسي، تقرر نقل المكتب السياسي إلى الخارج للحفاظ على حياة قادة الحركة بعد 2003. ومنذ ذلك الوقت حتى انتخاب هنية والسنوار للمكتب السياسي، بقي القرار والتمويل بغالبيته في يد مشعل، حتى جاءت الثورة السورية وبدا أن مشروعها لن يفلح، ثم تسبب في التشويش على علاقة الحركة بـ“محور المقاومة”، ليدفع مشعل نتيجة ذلك لاحقاً. لكن ما المشهد الآن بعدما ضعفت غزة بسبب الحرب وتضررت الحكومة والحركة بشدة؟

من يصنع القرار الآن؟

علم موقع “أوريان 21” من مصادر حمساوية في الخارج أن من يدير الحركة اليوم لجنة خماسية تضم رئيس “مجلس الشورى”، محمد درويش إسماعيل، وهو نفسه رئيس الخماسية، ومعه خليل الحية عن غزة (كان نائب يحيى السنوار)، وزاهر جبارين عن ساحة الضفة الغربية (كان نائب صالح العاروري) وخالد مشعل عن ساحة الخارج بالأصالة (نائب ثانٍ لرئيس الحركة)، وأخيراً موسى أبو مرزوق بصفته مسؤول العلاقات الدولية. هذه التقسيمة الجديدة في غاية الحساسية، لأن رئيس المجلس، إسماعيل، يقف على الوسط بين إيران وتركيا، وكذلك أبو مرزوق الذي يميل إلى التيار الأقوى في كل مرحلة، لكنه اليوم أقرب إلى النهج التركي–القطري الذي يمثله مشعل، ولذلك يصطف إلى جانبه في كثير من الآراء. وهو الآن توأمه وذراعه التنفيذية في تركيا، في حين أن الحية وجبارين يمثلان خط السنوار-العاروري السابق.

مع ذلك، تعمل “حماس” حالياً على الخروج من مأزق الحرب وإنجاح عملية تبادل الأسرى حتى النهاية، وتؤجل القضايا العالقة وتحديداً الهيكلية القيادية لديها، ولا سيما ما يتعلق بـ“دائرة العلاقات الوطنية” بقيادة حسام بدران، و“دائرة العلاقات العربية” بقيادة أسامة حمدان، و“العلاقات الدولية” بقيادة أبو مرزوق. ويمكن القول إن الحركة ستبقى هكذا إلى أن تنتهي الحرب، ثم ستدخل مرحلة جديدة في حال توقف الحرب كلياً.

من المتوقع أن تشهد مرحلة ما بعد الحرب استقطاباً بين خطين: خط “محور المقاومة” الذي مثّله السنوار بصلابة وقارب فيه تطلعات المجلس العسكري ورؤية المستوى السياسي، ويمتد إلى جميع دول المحور وجميع الدول التي يمكن جلب السلاح منها. والآخر خط تركيا–قطر الذي يمثله مشعل وأبو مرزوق ويتسق في رؤيته مع “الرباعية الدولية” وشروطها وصولاً إلى دولة فلسطينية على حدود 1967، لينتهي الأمر بدمج “حماس” في النظام العربي الرسمي والنظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

يلاحَظ، وفقاً لمصادر مطلعة، أن الجميع يتمهلون في قطف رئاسة المكتب السياسي، فمع أنه شاع ترجيح أسهم عالية لمشعل بعد استشهاد هنية، لكنها ذهبت إلى السنوار. وبعد الأخير، لم يتحدث أحد في الحركة عن رئاسة مكتبها السياسي، “لأن الجميع يعلمون أنه ليس كرسي رئاسة بل كرسي إعدام في أي لحظة... التوازنات القائمة تمنع تعيين رئيس حالياً ففتح مثل هذا الملف ربما يشرخ الحركة إلى نصفين أو أكثر”، تضيف المصادر الحركية نفسها.

هذا يقودنا إلى سؤال حقيقي: كيف كانت “حماس” التنظيم الفلسطيني الوحيد الذي لم يشهد انشقاقات عمودية أو أفقية في تاريخه على خلاف كل التنظيمات اليسارية والعلمانية وحتى الإسلامية؟ كل ما جرى مع الحركة هو خروج بعض الشخصيات إلى تنظيمات أخرى أو جلوسها في البيت دون أن تستطيع تشكيل حالة جديدة. حتى مشعل، المتهم بأنه يختزن عشرات ملايين الدولارات التي جمعتها جمعيات خيرية يواليه مسؤولوها، لم يستطع أن يتجه نحو مثل هذا القرار1. والسبب في ذلك هو الانتخابات، التي بات استحقاقها زمنياً قريباً جداً رغم احتمالية تعذر إجرائها بسبب الظروف الأمنية والميدانية في غزة والضفة والسجون والشتات، فالانتخابات كانت ولا تزال الوسيلة المثلى لتفريغ الغضب التنظيمي الداخلي ومنع الانشقاق، ولتمثيل كل تيار لقوته وصحة قراءته السياسية، ولذلك يحاول الجميع ألا يخوضوا صراعاً على رئاسة المكتب قبل الموعد الدوري (للمصادفة أنه يحل هذا العام) لتكون الأصوات أولاً والتزكيات ثانياً هي الحاسم.

عن المستقبل ودور تركيا ومسألة السلاح

هناك حالة من الخوف الشديد لدى قيادة “حماس”، خصوصاً من تبقى من “تيار السنوار”، من المستقبل ولا سيما بعد إضعاف حزب الله في لبنان. أما التيار الآخر، مشعل ومن معه، فيتحدث عن مقاربات بعيدة عن إيران، لكنها غير منطقية. حتى إنهم يعترفون بذلك لأنهم لا يعرفون إلى الآن نتائج التحولات الدولية أو الإقليمية (رئاسة ترامب، وسيطرة أحمد الشرع على حكم سوريا).

لهذا، يحاول التيار “البراغماتي” أن يركز سياسته المقبلة على تركيا كحليف يضمن منع زوالهم، في وقت يعمل الأتراك على مأسسة الحركة وتجنيس أو منح إقامات دائمة لكوادرها غير العسكريين، كما يحاولون إقناع “حماس” بضرورة هذه الخطوة باتجاه الدولة الفلسطينية، أو على الأقل حتى لا يُقضى عليها، ولذلك سيستوعبون الحركة بطريقة تخضع للرقابة، ثم سيستخدمون ورقة “حماس” للضغط في ملفات إقليمية أو مساومات في المنطقة.

مع ذلك، يجري نقاش كبير داخل المستويات القيادية العليا حول اندماج الحركة في اللعبة السياسية المقبلة، وتوطين سلاح “حماس” ضمن أجهزة أمنية فلسطينية سابقة أو جديدة بهدف الاتجاه نحو دولة، لكن ثمة أسئلة أبرزها ماذا لو تغير النظام في تركيا، وأصلاً ما أقصى شيء يمكن أن تحصّله أنقرة للفلسطينيين: دولة؟ وما شكلها؟

كانت حرب غزة أكبر مثال على ما يمكن أن يفعله الأتراك لـ“حماس”، فهم لم يستطيعوا وقف الحرب مطلقاً، ولا حتى عقد هدنة، وكل ما فعلوه هو الكلام المستمر، فماذا يمكن أن يقدموا في ظروف أخرى؟ حتى إن أنقرة لم تستطع وقف قنوات التجارة وخطوط الإمداد البحري مع إسرائيل كلياً.

في المقابل، يرى جزء مهم من تيار غزة، ولا سيما من لا يرتاحون للأتراك، أن تقديم برنامج سياسي جديد والتخلي عن السلاح مسألة مرفوضة وتتعارض مع الهدف الوجودي للحركة بوصفها مقاومة. لكن مع رحيل السنوار، بدأ هذا الصوت يخفت باتجاه السعي للحفاظ على ما تبقى من الحركة والحاضنة الشعبية. الجزء الآخر من هذا التيار يفكر في اتجاه آخر هو التوجه إلى إيران واليمن وتعزيز مراكز القوة هناك، مع ترك الباب مفتوحاً أمام الحضور الحمساوي في تركيا وتحت مظلة سياسية، وكذلك في قطر، وأيضاً إبقاء العمل في “الساحات الواعدة” كإندونيسيا وماليزيا.

بينما تتقصى الحركة حالياً فرص إنشاء مكتب سياسي لها في الجزائر وموريتانيا، وفق كلام حديث للمسؤول في الحركة أسامة حمدان، فإنها أخذت بالاعتبار احتمالية ترحيل أو طرد عدد كبير من قيادات وعناصر “حماس” و“كتائب القسام” خارج غزة، أو على الأقل أن يخرج آلاف الجرحى من المقاومين للعلاج مع عائلاتهم ثم لا يستطيعون العودة. وتكشف مصادر مطلعة أن “حماس” أخفقت في تثبيت أقدامها في أميركا اللاتينية نتيجة المراقبة الإسرائيلية هناك وإبلاغ الدول اللاتينية بأي شخصيات تهبط في مطاراتها، إذ رحّلت تشيلي أخيراً عدد من أفراد الحركة فور وصولهم المطار هناك، وفق مصادر أمنية في الحركة.

عموماً سيكون استجلاب “حماس” إلى تركيا باتجاه مـأسستها أكثر ترجيحاً، بل يتوقع بعض قادة الحركة أن إيران يمكن أن تقبل هذه الخطوة، لأنها تريد تحييد الضغط الكبير عليها والحفاظ في الوقت نفسه على بقاء الحركة. لكن لا يزال جزء مهم غير مقتنعين بالبرنامج التركي المرتقب، وقد يتجه هؤلاء إلى طهران، خصوصاً المؤمنين بأن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تحل سياسياً، وأن الحل هو إبقاء المقاومة.

يرى أنصار هذا التيار أن أساس بقاء “حماس” هو سلاحها، وأنه لا يجب التعويل كثيراً على ما ستقدمه الدول الخليجية من عروض أو حتى الولايات المتحدة. أما بشأن ما حدث في سوريا من إعادة تسمية المعارضة والقوات التي صنفت إرهابية مثل “هيئة تحرير الشام”، فيقولون إنه كان تطويعاً أميركياً لكل القوى المقاتلة التي تريد أن تندمج، لكن هذا السلوك لا ينطبق إلا على الحالة السورية لأنها معارضة في الأساس لإيران و“محور المقاومة”، في حين أن أي تنازلات ستقدمها “حماس” في فلسطين ستنتهي بها إلى الإذابة والمسح.

صحيح أن هناك حالة من العتاب على “محور المقاومة” في هذا الخط، لكن هؤلاء لا يرون أي مستقبل للمقاومة الفلسطينية دون الدول الداعمة عسكرياً، ويقولون إن المشكلة لم تكن صدق المحور، بل “إخفاقه في إدارة المعركة، وغدر بشار الأسد به، وحجم الاختراق لدى حزب الله وتأخره عن دخول المواجهة بقوة منذ البداية، كما أن المقاومة العراقية لم تكن بالمستوى المطلوب”. عن المشهد العام، يقول أحد قادة الحركة:

محور المقاومة يمر في أصعب حالاته، وهناك استياء شديد من إدارة المعركة، لكن كل ذلك سيكون أقل خطراً من التوجه الكامل نحو الخط الآخر وهو التسوية، فتركيا ستعمل وفق مصالحها تحت مظلة أميركية-إسرائيلية... أكثر ما نخشاه الحرب الداخلية في حماس والصراع بين هذين البرنامجين.

ويضيف: “يجب إعطاء الحرية للعمل السياسي والمساحات التي سيتحرك فيها مشعل والأتراك وغيرهم لكن دون المساس برصاصة واحدة من سلاحنا، فهذا يعني الموت لنا جميعاً”.

عموماً ترى “حماس” نفسها في مرحلة صعبة للغاية قد تدفعها إلى تنازلات هائلة، رغم رفضها تقديم هذه التنازلات إلى “فتح”. لكنها ربما ستضطر إلى فعل جزء من ذلك بناء على سياق الأحداث وما يمكن أن يفعله ترامب أو يستطيع أن يجبر عليه العرب وحتى المطبعين منهم، أو من هم على وشك.

1كانت المرة الوحيدة التي صدر فيها بيان من “حماس” برفع الغطاء عن مؤسسات وأفراد قريبين من مشعل وصدر خلال الحرب، ولم يسبق ذلك بيان شبيه إلا في منتصف التسعينيات بحق بعض الأشخاص الذين قبلوا التوزير في السلطة الفلسطينية آنذاك